{إِنَّمَا مَثَلُ الحياة الدنيا} كلامٌ مستأنف مسوقٌ لبيان شأنِ الحياةِ الدنيا وقصرِ مدة التمتعِ بها وقربِ زمانِ الرجوع الموعودِ، وقد شبِّه حالُها العجبية الشأنِ البديعةُ المثالِ المنتظمةُ لغرابتها في سلك الأمثالِ في سرعة تقضِّيها وانصرامِ نعيمها غِبَّ إقبالِها واغترارِ الناسِ بها بحال ما على الأرض من أنواع النباتِ في زوال رونقِها ونضارتِها فجأةً وذهابِها حُطاماً لم يبق لها أثرٌ أصلاً بعد ما كانت غضّةً طرية قد التف بعضُها ببعض وزُيِّنت الأرضُ بألوانها وتقوّت بعد ضعفِها بحيث طمِع الناسُ وظنوا أنها سلِمت من الجوائح، وليس المشبَّهُ به ما دخله الكافُ في قوله عز وجل: {كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السماء فاختلط بِهِ نَبَاتُ الارض} بل ما يفهم من الكلام فإنه من التشبيه المركب {مِمَّا يَأْكُلُ الناس والانعام} من البقول والزروعِ والحشيش {حتى إِذَا أَخَذَتِ الارض زُخْرُفَهَا} جُعلت الأرضُ في تزينها بما عليها من أصناف النباتاتِ وأشكالِها وألوانِها المختلفة المونقةِ آخذةً زخْرُفَها على طريقة التمثيلِ بالعروس التي قد أخذت من ألوان الثيابِ والزَّيْن فتزيّنت بها {وازينت} أصله تزينت فأدغم، وقرئ على الأصل وقرئ {وأزْينت} كأغيلت من غير إعلالٍ والمعنى صارت ذاتَ زينةٍ وازْيانَّت كابياضّت {وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا} متمكنون من حصدها ورفعِ غَلّتها {أَتَاهَا أَمْرُنَا} جوابُ إذا أي ضرب زرعَها ما يجتاحه من الآفات والعاهات {لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا} أي زرعَها وسائرَ ما عليها {حَصِيداً} أي شبيهاً بما حُصد من أصله {كَأَن لَّمْ تَغْنَ} كأن لم يغنَ زرعُها والمضافُ محذوفٌ للمبالغة وقرئ بتذكير الفعل {بالامس} أي فيما قبلُ بزمان قريبٍ فإن الأمسَ مثلٌ في ذلك كأنه قيل: لم تغنَ آنفاً {كذلك} أي مثلَ ذلك التفصيلِ البديعِ {نُفَصّلُ الآيات} أي الآيات القرآنيةَ التي من جملتها هذه الآيةُ المنبهةُ على أحوال الحياةِ الدنيا أي نوضّحها ونبيِّنها {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} في تضاعيفها ويقفون على معانيها، وتخصيصُ تفصيلِها بهم لأنهم المنتفعون بها، ويجوز أن يرادَ بالآيات ما ذُكر في أثناء التمثيلِ من الكائنات والفاسداتِ وبتفصيلها تصريفُها على الترتيب المحكيِّ إيجاداً وإعداماً فإنها آياتٌ وعلاماتٌ يستدل بها من يتفكر فيها على أحوال الحياةِ الدنيا حالاً ومآلاً.{والله يَدْعُو إلى دَارِ السلام} ترغيبٌ للناس في الحياة الأخرويةِ الباقيةِ إثرَ ترغيبهم عن الحياة الدنيوية الفانية أي يدعو الناسَ جميعاً إلى دار السلامةِ عن كل مكروهٍ وآفةٍ وهي الجنةُ، وإنما ذُكرت بهذا الاسم لذكر الدنيا بما يقابله من كونها معَرْضاً للآفات أو إلى دار الله تعالى وتخصيصُ الإضافةِ التشريفية بهذا الاسم الكريمِ للتنبيه على ذلك أو إلى دار يسلّم الله أو الملائكةُ فيها على من يدخلها أو يسلم بعضُهم علي بعض {وَيَهْدِى مَن يَشَاء} هدايتَه منهم {إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ} موصلٍ إليها وهو الإسلامُ والتزودُ بالتقوى، وفي تعميم الدعوة وتخصيصِ الهدايةِ بالمشيئة دليلٌ على أن الأمرَ غيرُ الإرادة وإن من أصر على الضلالة لم يُرِد الله رشده.